الأربعاء، 15 سبتمبر 2010

المشهد الجنسي في الرواية العربية

المشهد الجنسي في الرواية العربية
الجزائر نيوز يوم:الجمعة.22.جانفي.2010

 ما يحدث في كثير من الكتابات الروائية العربية المعاصرة شبيه تماما بأغاني الفيديو كليب حيث لا يملك المغني فيها لا الصوت ولا الموهبة ولكنه يختفي  وراء الصورالجميلة للفتيات نصف العاريات والراقصات بأشكال وصور تجعل انتباه المشاهد للأغنية يلتصق بالصور المثيرة أكثر من اهتمامه بكلمات الأغنية ومعانيها أو صوت المغني الذي يستنجد ـ لأنه لا يمتلك صوتا جميلا ـ بتقنية تصفية الأصوات وقوة التوصيل الصوتي للمكروفونات الحديثة·

فهناك الكثير من الأعمال الروائية الحالية لا تعتمد في وصولها إلى القارئ إلّا على الإثارة والتهييج غير المرتبط بوظيفة الجنس داخل النص بحيث يعتمد على الجنس كوسيلة للوصول الى القارئ عبر مخاطبة غرائزه واللعب على أوتار كبته الجنسي في مجتمع لا يزال هذا الطابو يحكم وعيه ويقمع انسانيته، ويؤدي الكم الهائل للمشاهد الجنسية في بعض الروايات في الكثير من الأحيان إلى ابعاد القارئ على الموضوع الأساسي لهذه الأعمال، إن كان لها موضوع بالطبع·

ليس صحيحا بالتأكيد ان /النص الجنسي/ العربي المعاصر مستمد بالكامل من الثقافة الغربية ولعلّ موقفا كهذا سببه الجهل بالتراث وما امتلأ به من نصوص جنسية· فالتراث العربي يزخر بالكثير من الكتابات في هذا الميدان فمن أشعار امرئ القيس إلى أبي نواس وحكايات ألف ليلة وليلة والقصص الجنسية في كتاب الأغاني والروض العاطر··، وما كتبه الإمام السيوطي، وتحدثنا بعض الروايات عن بعض غلاة الخوارج أنهم كانوا ينظرون بريبة وتوجس إلى /سورة يوسف/ في القرآن الكريم لما فيها من إشارات جنسية···باختصار لم يكن العرب إبان قوتهم الثقافية والحضارية يتهيبون من الخوض في مثل هذه الموضوعات· وقد استخدم كبار الروائيين العرب كذلك المشاهد الجنسية في أعمالهم كنجيب محفوط  وحنا مينة وحيدر حيدر ورشيد بوجدرة وأمين الزاوي··ذلك أنه لا يعقل في تقديرنا أن يُكتب عمل فني يتناول حياة انسانية برمتها ويغضُّ الطرف عن الجزء الخاص بالرغبة وكأنها ليست من متطلبات النفس و الجسد والحياة· فالجنس جزء في السياق الطبيعي للحياة، ونحن حينما نكتب عن الحياة سنكتب عن الجنس لا محالة، فالأديب حينما يكتب يتناول العلاقة بين الرجل و المرأة كونها تأتي في سياق الحديث عن الإنسان نفسه· لذلك فإن النص الجيد سيثبت نفسه بغض النظر عن موضوعه وثيماته ، وعليه فقد لا يكون النص المتعفف الذي يتجنب المشاهد الجنسية نصا عظيما وأن يكون صاحبه كاتبا جيدا، وبالمقابل يسقط بالتأكيد النص الذي  يفضح تفاصيل جنسية كثيرة وهو لا يملك مقومات العمل الحقيقي ·فالملاحظ في الكثير من الأعمال الروائية الجديدة أن المشهد الجنسي فيها كثيرا ما يكون مقحما اقحاما من دون ان تكون هناك مبررات لهذا الاستخدام و قد تدلّ كثير من الكتابات على مراهقة  فكرية وفنية، فالجنس في الروايات العظيمة يخدم أهدافا انسانية ويعري زيف المجتمع ولا يكون من أغراضه المباشرة استثارة الغرائز، فليس هناك ما يمنع اطلاقا التطرق للجنس في الرواية على أن يكون توظيف المشهد في صالح العمل الأدبي بحيث يأتي انسيابيا ضمن أحداثه ووفق ما تقتضيه بنية النص·

وعليه سيصبح الحديث في هذا المجال إذن خاص بقيم الرداءة و الجودة في العمل الروائي وليس استخدام المشاهد الجنسية في الرواية، فتناول الجنس بشكل فج ومبتذل أو أي شيئ آخر كالسياسة و الأيديولوجيا أو القيم الأخلاقية والمواعظ المباشرة، لا تختلف عن بعضها البعض في الرداءة وقد تستخدم كلها في إثارة الإبتذال و الفضيحة التي كثيرا ما يتهم كُتابُ الجنس بإثارتهما· فهناك من بين الروائيين والروائيات من يسعى إلى المجد والبحث عن ترجمات إلى اللغات الغربية عبرالإكثار من المشاهد الجنسية، بينما تخلو نصوصهم من أي خصوصية فنية أو انسانية يمكن من خلالها التعامل معها بوصفها عملا فنيا متميزا بغض النظر عن موضوعاتها· إن موجة الأدب الروائي الجنسي الذي شهدته الساحة الأدبية العربية في السنوات الأخيرة متشابه في السرد و الوصف ولم يكن ليلتفت إليه نقديا لولا خروجه من تحت عباءة مجتمع محافظ وليس لقيمته الفنية، لذلك جاء تسليط الضوء عليه· وكثير من الأديبات العربيات لا موضوع لهن إلّا الكتابة عن الجسد و التمرد على السلطة الذكورية فجاءت كتاباتهن في الغالب متشابهة في الموضوع وعجزن عن الخروج إلى قضايا المجتمع الرحبة ورصد انشغالاته وتطلعاته وقد جاءت كثيرمن أعمالهن على الرغم مما احتوته من جرأة لا تبتعد في مضمونها عن ما يريده الرجل في هذا المجتمع الذكوري من المرأة،  فضيعت بذلك نزعتها إلى التحرر التي قامت من أجلها أصلا · وبالمناسبة فإن التحرر لا يعني أن يصبح الإنسان بدون أخلاق ويضرب عرض الحائط بالقيم الإنسانية، ويرى في ذلك حرية شخصية، فالحرية لا تعني في أي ثقافة كانت أن يسلك الإنسان سلوكا عبثيا لا يعير فيه للواقع أي اهتمام، فما أهمية الأدب و الفن عموما إن لم يكن وسيلة انعتاق من واقع ظلّ يدهسنا طيلة قرون هذا الواقع الذي لا يمكن تجاوز الكوابح التي هي فيه بسلوكات عدمية أو بمحاكاة الكتابات الغربية في هذا الميدان فالإيروتيكية أو غيرها من الكتابات في قضايا الجنس بالنسبة للغربيين هي وصف لجنس متوفربينما واقع الحال عندنا غير ذلك، فالكتابة وتلقيها يعبران عن جوع جنسي تاريخي· إن افتعال بعض الأدباء الكتابة عن الجنس بشكل مبتذل لا يحرض قوى الظلام في مجتمعاتنا فحسب، بل قد يدفع كذلك الإنسان العادي إلى هجرآدابهم وصولا إلى اتخاذ مواقف ضدهم، وهو الشيء الذي يحرمهم من تحقيق الغايات التي يزعمون أنهم يكتبون من أجلها، هذا إن لم يكن من بينهم من يستهدف فقط إثارة الرأي العام ضدّه للشهرة والتجارة وإثبات الوجود، ومنه الترويج الإعلامي لعمل قد لا يكون بالضرورة جيدا فيسيء بذلك للأدب والفكر، لأنه سيُروج لكتابة رديئة قد يتخذها البعض نموذجهم في الكتابة، ونعتقد أن الأمثلة على ما نقول كثيرة وواضخة للعيان·

عمر بوساحة

هناك تعليق واحد:

  1. بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين إمام الفصحاء وسيّد البلغاء وخاتم النبيين. وبعد :
    نعم نشاطرك الرّأي أستاذنا الكريم قد غابت الرّسالية الأخلاقية عن أدبنا وخنست اللّمسات الفنيّة عن كثير من الأعمال الأدبية أبرزها الرّواية وظهرت الشهوة الجنسية أو النزعات السياسية معبّأة بأفكار إيديولوجية ليستحيل الأدب من رياض يستريح فيها العاشقون و يسرح فيها النّابهون إلى بركة لوثتها أقلام الشّداد ـ وما أكثرهم في أيّامنا هذه ـ فصار الفنّ عندهم جنس وشدود ، وعريّ وخدود ، وفساد أخلاقي بلا حدود ، و قد يدّعون أنّ مدهبهم "الفنّ للفن" لكن لم نجد الفنّ المزعوم بل هو جنس معلوم ودعوة للشدود وبث للسموم . وشكرا لك يا أستاذنا على مقالتك الرّائعة فهي تنمّ عن ذوقك السليم ونقدك السّديد . وفقكم الله .

    ردحذف