سياسة وتاريخ


قضية زواج عائشة رضي الله عنها.
ليست محاولة للتشكيك فى البخارى ومسلم ولا العلماء الأوائل.. ولكنها دفاع عن رسول الله
زواج النبى من عائشة وهى بنت 9 سنين.. أكذوبة!
اليوم السابع /الخميس، 16 أكتوبر 2008 - 13:21
بقلم إسلام بحيرى
السيرة والتواريخ الزمنية الواردة فى أمهات الكتب ترد على أحاديث البخارى وتؤكد أن ابنة أبى بكر تزوجت النبى وهى فى الثامنة عشرة من عمرها
من هنا يتلقى الإسلام الكثير من الطعنات، عبر تلك المناطق الجدلية يتعرض رسولنا الكريم للكثير من الافتراءات والاتهامات.. زوجاته وعلاقاته بالنساء والكثير من القصص عن طرق زواجه بهن وتعامله معهن، الكثير من المغالطات التاريخية وعدم الدقة فى الروايات يستغلها الكثيرون للهجوم على الإسلام ورسوله الكريم وتبقى أفواه علمائنا مغلقة على ما فيها من ردود علمية وعملية، مكتفية فقط بتسفيه المنتقدين والتشكيك فى نواياهم، وحينما تظهر أصوات العقلاء لتدافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام مؤكدة بالتاريخ والروايات الموثقة عدم دقة الكثير من الروايات التى يأخذها البعض على الإسلام مثل رواية زواج النبى عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة وهى فى عمر تسع سنين، تواجهها تلك العقبة المقدسة التى تقول بقدسية المناهج الفقهية القديمة، وكتب البخارى ومسلم، وتعصمها من الخطأ، وترفض أى محاولة للاجتهاد فى تصحيح روايتها حتى ولو كانت محل شك، فهى العلوم وحيدة زمانها، والتى لا تقبل التجديد ولا الإضافة ولا الحذف ولا التنقيح ولا التعقيب ولا حتى النقد.
بهذا المنطق يصمت علماؤنا أمام موجات الهجوم التى يتعرض لها الإسلام ورسوله، وإن تكلموا يأتى كلامهم غير منصف لأنه يأتى معتمدا على روايات قديمة تقول بقدسية المناهج القديمة ومعصوميتها من الخطأ، وكأن المسلمين من بعد القرن الرابع الهجرى أصبحوا مخلوقات منـزوعة العقل, أصبحوا مسلمين من الفئة الثانية لا يقبل منهم الاستدراك أو النقد على ما قدمه العلماء الأوائل, وكذا هو الحال مع الرواية ذائعة الصيت التى يكاد يعرفها كل مسلم, والتى جاءت فى البخارى ومسلم, أن النبى (صلى الله عليه وسلم) وهو صاحب الخمسين عاما قد تزوج أم المؤمنين (عائشة) وهى فى سن السادسة, وبنى بها-دخل بها- وهى تكاد تكون طفلة بلغت التاسعة, وهى الرواية التى حازت ختم الحصانة الشهير لمجرد ذكرها فى البخارى ومسلم, رغم أنها تخالف كل ما يمكن مخالفته, فهى تخالف القرآن والسنة الصحيحة وتخالف العقل والمنطق والعرف والعادة والخط الزمنى لأحداث البعثة النبوية, والرواية التى أخرجها البخارى جاءت بخمس طرق للإسناد وبمعنى واحد للمتن-النص- ولطول الحديث سنورد أطرافه الأولى والأخيرة التى تحمل المعنى المقصود, (البخارى - باب تزويج النبى عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها-3894): حدثنى فروة بن أبى المغراء: حدثنا على بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها قالت: «تزوجنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة،... فأسلمتنى إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين».
بالاستناد لأمهات كتب التاريخ والسيرة المؤصلة للبعثة النبوية ( الكامل- تاريخ دمشق - سير اعلام النبلاء - تاريخ الطبرى - البداية والنهاية - تاريخ بغداد - وفيات الأعيان, وغيرها الكثير), تكاد تكون متفقة على الخط الزمنى لأحداث البعثة النبوية كالتالى: البعثة النبوية استمرت (13) عاما فى مكة, و(10) أعوام بالمدينة, وكان بدء البعثة بالتاريخ الميلادى عام (610م), وكانت الهجرة للمدينة عام (623م) أى بعد (13) عاما فى مكة, وكانت وفاة النبى عام (633م) بعد (10) أعوام فى المدينة, والمفروض بهذا الخط المتفق عليه أن الرسول تزوج (عائشة) قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أى فى عام (620م), وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحى، وكانت تبلغ من العمر (6) سنوات, ودخل بها فى نهاية العام الأول للهجرة أى فى نهاية عام (623م), وكانت تبلغ (9) سنوات, وذلك ما يعنى حسب التقويم الميلادى أى أنها ولدت عام (614م), أى فى السنة الرابعة من بدء الوحى حسب رواية البخارى، وهذا وهم كبير.
نقد الرواية تاريخيا:
1 - حساب عمر السيدة (عائشة) بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبى بكر-ذات النطاقين-): تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن (أسماء) كانت تكبر (عائشة) بـ(10) سنوات, كما تروى ذات المصادر بلا اختلاف واحد بينها, أن (أسماء) ولدت قبل الهجرة للمدينة بـ (27) عاما, ما يعنى أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام (610م) كان (14) سنة, وذلك بإنقاص من عمرها قبل الهجرة (13) سنة وهى سنوات الدعوة النبوية فى مكة, لأن (27-13= 14سنة), وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من (عائشة) بـ (10) سنوات, إذن يتأكد بذلك أن سن (عائشة )كان (4) سنوات مع بدء البعثة النبوية فى مكة, أى أنها ولدت قبل بدء الوحى بـ (4) سنوات كاملات, وذلك عام (606م), ومؤدى ذلك بحسبة بسيطة أن الرسول عندما نكحها فى مكة فى العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها (14) سنة, لأن (4+10=14 سنة), أو بمعنى آخر أن (عائشة) ولدت عام (606م), وتزوجت النبى (620م), وهى فى عمر (14) سنة وأنه كما ذُكر بنى بها-دخل بها- بعد (3) سنوات وبضعة أشهر» أى فى نهاية السنة الأولى من الهجرة وبداية الثانية، عام (624م), فيصبح عمرها آنذاك (14+3+1= 18سنة كاملة), وهى السن الحقيقية التى تزوج فيها النبى الكريم (عائشة).
2 - حساب عمر (عائشة) بالنسبة لوفاة أختها(أسماء-ذات النطاقين): تؤكد المصادر التاريخية السابقة بلا خلاف بينها أن (أسماء) توفيت بعد حادثة شهيرة مؤرخة ومثبتة، وهى مقتل ابنها (عبد الله بن الزبير) على يد (الحجاج) الطاغية الشهير, وذلك عام (73هـ), وكانت تبلغ من العمر (100)سنة كاملة, فلو قمنا بعملية طرح لعمر( أسماء) من عام وفاتها (73هـ), وهى تبلغ (100) سنة فيكون ( 100-73=27 سنة) وهو عمرها وقت الهجرة النبوية, وذلك ما يتطابق كليا مع عمرها المذكور فى المصادر التاريخية, فإذا طرحنا من عمرها (10) سنوات- وهى السنوات التى تكبر فيها أختها (عائشة)- يصبح عمر (عائشة) (27-10=17سنة) وهو عمر (عائشة) حين الهجرة, ولو بنى بها - دخل بها - النبى فى نهاية العام الأول يكون عمرها آنذاك(17+1=18 سنة) وهو ما يؤكد الحساب الصحيح لعمر السيدة (عائشة) عند الزواج من النبى، وما يعضد ذلك أيضا أن (الطبرى) يجزم بيقين فى كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد (أبى بكر) قد ولدوا فى الجاهلية, وذلك ما يتفق مع الخط الزمنى الصحيح, ويكشف ضعف رواية البخارى، لأن (عائشة) بالفعل قد ولدت فى العام الرابع قبل بدء البعثة النبوية.
3 - حساب عمر (عائشة) مقارنة (بفاطمة الزهراء) بنت النبى: يذكر (ابن حجر) فى (الإصابة) أن (فاطمة) ولدت عام بناء الكعبة, والنبى ابن (35) سنة, وأنها أسن-أكبر- من عائشة بـ (5) سنوات, وعلى هذه الرواية التى أوردها (ابن حجر) مع أنها رواية ليست قوية, ولكن على فرض قوتها نجد أن (ابن حجر) وهو شارح (البخارى), يكذب رواية (البخارى) ضمنيا, لأنه إن كانت (فاطمة) ولدت والنبى فى عمر (35) سنة, فهذا يعنى أن (عائشة) ولدت والنبى يبلغ (40) سنة, وهو بدء نزول الوحى عليه, ما يعنى أن عمر (عائشة) عند الهجرة كان يساوى عدد سنوات الدعوة الإسلامية فى مكة وهى (13) سنة, وليس (9) سنوات, وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الاضطراب الشديد فى رواية البخارى.
نقد الرواية من كتب الحديث والسيرة:
1 - ذكر (ابن كثير) فى (البداية والنهاية) عن الذين سبقوا بإسلامهم: «ومن النساء... أسماء بنت أبى بكر وعائشة وهى صغيرة فكان إسلام هؤلاء فى ثلاث سنين ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعو فى خفية, ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة», وبالطبع هذه الرواية تدل على أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة فى عام (4) من بدء البعثة النبوية, يما يوازى عام (614م), ومعنى ذلك أنها آمنت على الأقل فى عام (3) أى عام (613م), فلو أن (عائشة) على حسب رواية (البخارى) ولدت فى عام (4) من بدء الوحى, معنى ذلك أنها لم تكن على ظهر الأرض عند جهر النبى بالدعوة فى عام (4) من بدء الدعوة, أو أنها كانت رضيعة, وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة, ولكن الحساب السليم لعمرها يؤكد أنها ولدت فى عام (4) قبل بدء الوحى أى عام (606م), ما يستتبع أن عمرها عند الجهر بالدعوة عام (614م), يساوى (8) سنوات وهو ما يتفق مع الخط الزمنى الصحيح للأحداث, وينقض رواية البخارى.
2 - أخرج البخارى نفسه ( باب - جوار أبى بكر فى عهد النبى) أن (عائشة) قالت: «لم أعقل أبوى قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفى النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قِبَلَ الحبشة», ولا أدرى كيف أخرج البخارى هذا, فـ (عائشة) تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان الدين, وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكَرَت, وتقول إن النبى كان يأتى بيتهم كل يوم, وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات, والمؤكد أن هجرة الحبشة، إجماعا بين كتب التاريخ كانت فى عام (5) من بدء البعثة النبوية ما يوازى عام (615م), فلو صدقنا رواية البخارى أن عائشة ولدت عام (4) من بدء الدعوة عام (614م), فهذا يعنى أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة, فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوى) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحا, ولكن بالحساب الزمنى الصحيح تكون (عائشة) فى هذا الوقت تبلغ (4 قبل بدء الدعوة، + 5 قبل هجرة الحبشة = 9 سنوات) وهو العمر الحقيقى لها آنذاك.
3 - أخرج الإمام (أحمد) فى (مسند عائشة): «لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت: يا رسول الله ألا تتزوج, قال: من، قالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا, قال: فمن البكر قالت: أحب خلق الله إليك عائشة ابنة أبى بكر», وهنا يتبين أن (خولة بنت حكيم) عرضت البكر والثيب-المتزوجة سابقا-, على النبى فهل كانت تعرضهن على سبيل جاهزيتهن للزواج, أم على أن إحداهما طفلة يجب أن ينتظر النبى بلوغها النكاح, المؤكد من سياق الحديث أنها تعرضهن للزواج الحالى بدليل قولها (إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا) ولذلك لا يعقل أن تكون عائشة فى ذاك الوقت طفلة فى السادسة من عمرها, وتعرضها (خولة) للزواج بقولها (بكرا).
4 - أخرج الإمام (أحمد) أيضا عن (خولة بنت حكيم) حديثا طويلاً عن خطبة عائشة للرسول، ولكن المهم فيه ما يلى: «قالت أم رومان: إن مطعم بن عدى قد ذكرها على ابنه, ووالله ما وعد أبو بكر وعدا قط فاخلفه... لعلك مصبى صاحبنا», والمعنى ببساطة أن (المطعم بن عدى) وكان كافرا قد خطب (عائشة) لابنه (جبير بن مطعم) قبل النبى الكريم, وكان ( أبو بكر) يريد ألا يخلف وعده, فذهب إليه فوجده يقول له لعلِّى إذا زوجت ابنى من (عائشة) يُصبى أى (يؤمن بدينك), وهنا نتوقف مع نتائج مهمة جدا وهى: لا يمكن أن تكون (عائشة) مخطوبة قبل سن (6) سنوات لشاب كبير- لأنه حارب المسلمين فى بدر وأحد- يريد أن يتزوج مثل (جبير), كما أنه من المستحيل أن يخطب (أبو بكر) ابنته لأحد المشركين وهم يؤذون المسلمين فى مكة, مما يدل على أن هذا كان وعدا بالخطبة, وذلك قبل بدء البعثة النبوية حيث كان الاثنان فى سن صغيرة، وهو ما يؤكد أن (عائشة) ولدت قبل بدء البعثة النبوية يقينا.
5 - أخرج البخارى فى (باب- قوله: بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) عن (عائشة) قالت: «لقد أنزل على محمد [ بمكة، وإنى جارية ألعب «بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ», والمعلوم بلا خلاف أن سورة (القمر) نزلت بعد أربع سنوات من بدء الوحى بما يوازى (614م), فلو صدقنا رواية البخارى تكون (عائشة) إما أنها لم تولد أو أنها رضيعة حديثة الولادة عند نزول السورة, ولكن (عائشة) تقول (كنت جارية ألعب) أى أنها طفلة تلعب, فكيف تكون لم تولد بعد؟ ولكن الحساب المتوافق مع الأحداث يؤكد أن عمرها عام (4) من بدء الوحى، عند نزول السورة كان (8) سنوات، كما بينا مرارا وهو ما يتفق مع كلمة (جارية ألعب).
6 - أخرج البخارى ( باب- لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها) قال رسول الله: «لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال أن تسكت», فكيف يقول الرسول الكريم هذا ويفعل عكسه, فالحديث الذى أورده البخارى عن سن أم المؤمنين عند زواجها ينسب إليها أنها قالت كنت ألعب بالبنات - بالعرائس - ولم يسألها أحد عن إذنها فى الزواج من النبى, وكيف يسألها وهى طفلة صغيرة جداً لا تعى معنى الزواج, وحتى موافقتها فى هذه السن لا تنتج أثرا شرعيا لأنها موافقة من غير مكلف ولا بالغ ولا عاقل.
نقد سند الرواية:
سأهتم هنا ببيان علل السند فى رواية البخارى فقط:
جاء الحديث الذى ذكر فيه سن (أم المؤمنين) بخمس طرق وهى:
حدثنى فروة بن أبى المغراء: حدثنا على بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.
حدثنى عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه. حدثنا معلى بن أسد: حدثنا وهيب، عن هشام بن عروة، عن عائشة.حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة.حدثنا قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن عروة. وكما نرى ترجع كل الروايات لراو واحد وهو (عروة) الذى تفرد بالحديث عن أم المؤمنين (عائشة) وتفرد بروايته عنه ابنه (هشام), وفى (هشام) تكمن المشكلة, حيث قال فيه (ابن حجر) فى (هدى السارى) و(التهذيب): «وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كان مالك لا يرضاه، بلغنى أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم-جاء- الكوفة ثلاث مرات، قدمةً -مرة- كان يقول: حدثنى أبى، قال سمعت عائشة، وقدم-جاء- الثانية فكان يقول: أخبرنى أبى عن عائشة، وقدم-جاء- الثالثة فكان يقول: «أبى عن عائشة».
والمعنى ببساطة أن (هشام بن عروة) كان صدوقا فى المدينة المنورة, ثم لما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء, وبدأ (يدلس) أى ينسب الحديث لغير راويه, ثم بدأ يقول (عن) أبى، بدلا من (سمعت أو حدثنى), والمعنى أنه فى علم الحديث كلمة (سمعت) أو (حدثنى) هى أقوى من قول الراوى (عن فلان), والحديث فى البخارى هكذا يقول فيه (هشام) عن (أبى) وليس ( سمعت أو حدثنى), وهو ما يؤيد الشك فى سند الحديث, ثم النقطة الأهم أن الإمام (مالك) قال: إن حديث (هشام) بالعراق لا يقبل, فإذا طبقنا هذا على الحديث الذى أخرجه البخارى لوجدنا أنه محقق, فالحديث لم يروه راو واحد من المدينة بل كلهم عراقيون ما يقطع أن (هشام بن عروة) قد رواه بالعراق, بعد أن ساء حفظه ولا يعقل أن يمكث (هشام) بالمدينة عمرا طويلا, ولا يذكر حديثا مثل هذا ولو مرة واحدة, لهذا فإننا لا نجد أى ذكر لعمر السيدة (عائشة) عند زواجها بالنبى فى كتاب (الموطأ) للإمام مالك, وهو الذى رأى وسمع (هشام بن عروة) مباشرة بالمدينة, فكفى بهاتين العلتين للشك فى سند الرواية فى البخارى, وذلك مع التأكيد على فساد متنها - نصها - الذى تأكد بالمقارنة التاريخية السابقة.
أما ابتناء الفقهاء والمحدثين وأولهم البخارى على هذا الحديث أوهاما من الأحكام عن زواج الصغيرات فهذه صفحة سوداء من صفحات التراث, سنؤجل المناقشة فيها إلى حين, والغريب أننا نجد الوهابيين يروجون مقولة، إن البلاد الحارة تجعل البنت تبلغ باكرا وهى صغيرة, وهذا كلام البلهاء والسفهاء لأن البلاد الحارة وهى الجزيرة العربية، مازالت حارة, بل إن الحرارة قد ازدادت أضعافا مضاعفة، فلماذا لم نجد البنات تبلغ قبل أوانها فى السادسة أو حتى فى التاسعة, كما أن ذلك يتناقض مع الحقائق العلمية التى تؤكد عدم وجود دور يذكر للمناخ فى البلوغ المبكر.
الخلاصة:
أن السيدة عائشة تزوجت الرسول بعمر الـ (18) سنة على التقدير الصحيح, وليس (9) سنوات, وأن هذه الرواية التى أخرجها البخارى ببساطة رواية فاسدة النص ومرتابة السند, لأنها تخالف الشرع والعقل والأحاديث الصحيحة والعرف والذوق والعادة، كما تخالف بشدة قصوى الخط الزمنى لأحداث البعثة النبوية, فلا يجب أن نجل البخارى ومسلم أكثر مما نجل الرسول الكريم, فلنا أن نقبل ما رفضوه وأن نرفض ما قبلوه, فالإسلام ليس حكرا على الفقهاء والمحدثين ولا على زمانهم فقط, لذا فإننا نستطيع وبكل أريحية أن نستدرك على كل كتب الحديث والفقه والسيرة والتفسير, وأن ننقدها ونرفض الكثير مما جاء بها من أوهام وخرافات لا تنتهى, فهذه الكتب فى النهاية محض تراث بشرى لا يجب ولا ينبغى أن يصبغ بالقدسية أو الإلهية أبدا, فنحن وأهل التراث فى البشرية على درجة سواء, لا يفضل أحدنا الآخر, فصواب أعمالهم لأنفسهم والأخطاء تقع علينا.
***
رد وتعليق

لصوص ومغفلون: "بين إسلام بحيري وجمال البنا"

نادر قريط
الخميس 11 أيلول (سبتمبر) 2008

http://www.metransparent.com/squelettes/images/icones/middleeast6.pngيقول الكاتب المسلم شانافاس(T.o Shanavas9) وهو فيزيائي من ولاية ميشيغان): سألني مرة صديق مسيحي، إن كنت سأزوّج إبنتي ذات الأعوام السبعة، لرجل في الخمسين من عمره. أجبته بالصمت. إستمر وقال: إذا كنت لا تريد ذلك، فكيف تقبل زواج الطفلة البريئة عائشة إبنة السبع سنوات، من النبي. قلت له بأني لا أملك إجابة. إبتسم صديقي، وترك في قلبي جرحا. ( انتهى)
الترجمة أعلاه إقتبستها من نص للكاتب شانافاس نشره أول مرة عام 1999م، بعنوان: هل كانت عائشة عروساً وهي في السادسة؟ يمكن مراجعته بالإنكليزية على الرابط:
قد يبدو الأمر عاديا، فالقصة أصبحت علكة يمضغها كل عابر إنترنت. لكن الأمر قد يهم الأستاذ (الباحث) إسلام بحيري، صاحب (البحث) الذائع الصيت، في مجلة (اليوم السابع) بعنوان: "زواج النبى من عائشة وهى بنت 9 سنين.. أكذوبة!" يمكن قراءته أيضا على الرابط التالي:
لكن قبل الإسترسال بالموضوع، وقبل توجيه تهمة عدم الأمانة العلمية والأدبية أو فتح سجال حول السرقة والسطو والنهب، وبناء أمجاد زائفة على أكتاف الغير أود تسجيل ما يلي:
أولا: السرقة عموما هي إدعاء ملكية ما لا تملك، وفي الأعمال الكتابية، هي إستيلاء على أفكار وجهود بحثية وإمتلاكها باعتبارها جهداً وإبداعاً ذاتياً، دون الإشارة إلى أصحابها الحقيقيين.
ثانيا: فكرت طويلا بإلتزام الصمت، سيما وأن السيد بحيري شاب في مقتبل العمر، والأيام كفيلة بتعليمه ما فاته. وقد يكون الصمت نوعا من الصيام كما تخبرنا الرواية الدينية، في قصة زكريا، وطريقا للتصوف والزهد. وقد كان بالإمكان رفع القبعة تحية لهذا الشاب الطموح، أسوة بالمجتهد الإسلامي المعروف جمال البنا، الذي كتب مديحا صحفيا له بعنوّان: "صحفى شاب يصحح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام"(1). لكني أعلم أن (صياما مجازيا) قد يصبح مشاركة ضمنية في الإثم، فالنحل والتزوير في تاريخ البشرية (كما يقول بعض النقاد) نشأ من خلال صمت وتواطؤ جمعي، فرضته إرادات سياسلطوية، بمشاركة (مقصودة وغير مقصودة) لمفكرين وكتاب، لم يجرؤوا على معارضة الذائقة الجمعية لعصرهم.
ثالثا: على المستوى الشخصي، أجد الجدل في موضوع عمر زواج السيدة عائشةأمرا ثانويا، ولا يمكن تحديده في ضوء الكرونولوجيا الإسلامية. فالإخباريون صنعوا لنا صورة مشوّشة ومتناقضة فرضت جدارا سميكا حجب أمامنا الرؤية، وهذا أمر منطقي وبديهي، سببه ظروف إنتقال الرواية من طورها الشفهي إلى الكتابي، مما حدا ببعض الباحثين (أمثال الألماني شاخت) إلى رفض الرواية الشفهية برمتها. وبهذا يكون قد اقتدى بموقف المعتزلة من جماعة النقل، أو بموقف حركة القرائين اليهود من أحاديث الميشنا.
وعودة إلى موضوع الأستاذ إسلام بحيري (وبحثه) المدوّي، أعيد عليكم الحكاية من أولها: قبل حوالي ثلاثة أعوام، وبينما كنت أتصفح مجلة ورقية ألمانية، إسمها نجمة الصباح Der Morgenstern (العدد 10 عام 2005) يُصدرها بعض المتأسلمين الألمان وقع نظري على بحث مترجم من الأنكليزية، أعده (عبدالله فرانك بوبنهايم)، وهي عينها مقالة شانافاك المنوّه عنها أعلاه. وأتذكر أن زوجتي، أعربت عن فرحتها وإعجابها ودهشتها بهذا البحث المنسق، والأدلة البحثية الرصينة (التي قد ترفع الضيّم عن الإسلام) وهذا أمر طبيعي في سياق تقاتل الثقافات والهويات (والذي يستفحل عند مسلمي أوروبا وأمريكا، أكثر من غيرهم، لما يعانوه من إغتراب نفسي ومادي ووجداني، مقابل نظرات البغضاء والعنصرية وأجواء الكراهية التي ولدتها حقبة ما بعد 11سبتمبر وحرب العراق).
وبمرور الزمن نسيت القصة بأكملها (ونسيّت إسم الكاتب والمترجم) خصوصا أن ذاكرتي أصبحت مثقوبة (مثل أباريق الوضوء في جامع الكيلاني في بغداد). وعندما قرأت بالصدفة مقالا منشورا في إيلاف، للدكتور خالد منتصر بعنوان: هل أصبح الدفاع عن البخاري أهم من الدفاع عن الرسول؟(2) وقرأت المانشتيات العريضة للمقالة: "الهجوم على الباحث الذى أنكر زواج الرسول من عائشة فى سن التاسعة، وأثبت زواجها فى سن الثامنة عشرة. الأزهر أنكر هذا البحث خوفاً على البخارى، والدعاة صمتوا خوفاً على مصالحهم"، في الحال تذكرت القصة، وقلت في نفسي: العرب يأتون متأخرين دائما (أو لا يأتون)، هذا بحث قديم، قرأته قبل أعوام. ولفرط سذاجتي، إعتقدت أن السيد بحيري هو نفسه صاحب المقال (الذي طواه النسيان) وقلت: ربما يكون أحد الباحثين الذين عرفهم الغرب وترجم لهم. لكن الفضول دفعني لقراءة المقالة في مجلة (اليوم السابع) وكم كانت الصدمة، فتاريخ نشر المقالة هو: 14 أغسطس عام 2008! حينها سألت زوجتي إن كانت تتذكر ما قرأناه قبل أعوام، حول إشكالية عمر زواج السيدة عائشة. أجل، لقد تذكرت القصة فورا (وتذكرت أيضا لون القميص الذي ارتديته وقتها، وماذا طبخت في ذلك اليوم .. يا إلهي أية ذاكرة تملكها حواء!!) وبعد لحظات، أتت لي بالمجلة الألمانية المذكورة.
نتيجة:
بعد مراجعتي للنص الذي ترجمه عبدالله بوبنهايم للغة الألمانية، تبين لي أنه قدم ترجمة حرفية أمينة للنص الإنكليزي، الذي كتبه السيد ت.و. شانافاس، تتصمن كل المراجع التي إعتمدها الباحث وأرقام الصفحات .أما البحث الذي نسبه لنفسه الأستاذ إسلام بحيري فهو إقتباس كامل لكل الأفكار الواردة في نص شانافاك أو ترجمة (بتصرف) لجل المقاطع فيه وأحيانا إلتفاف وإحتيال على المضمون خصوصا في المقاطع (التي لا توافقه أو تركها لعسر لغوي).. السيد بحيرى لم يخبرنا عن مراجعه بالتفصيل، بل اكتفى بالقول في مقدمة مقاله حرفيا: بالاستناد لأمهات كتب التاريخ والسيرة المؤصلة للبعثة النبوية (الكامل- تاريخ دمشق - سير اعلام النبلاء - تاريخ الطبرى - البداية والنهاية - تاريخ بغداد - وفيات الأعيان, وغيرها الكثير)، وهذا أسلوب رديء يتضمن نيّة مبيّتة للإحتيال.. أما السيد شانافاك فقد اتبع أصول المنهج العلمي وهاكم بعض الأمثلة:
1ــ في موضوع الطعن بمصداقية عروة إبن هشام (ناقل حديث البخاري ـ باب تزويج النبى عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها-3894) يورد الكاتب مصدرين هما: تهذيب التهذيب، لإبن حجر العسقلاني دار التراث الإسلامي، مجلد 11 صفحة 50. والآخر هو ميزان الإعتدال للذهبي، المكتبة الأثرية، باكستان، المجلد الرابع، ص: 301. أما السيد بحيرى فيكتفي باقتباس الأفكار كاملة دون الإشارة إلى مرجعيتها، إلا بكلام عمومي غائم.
2ــ في سياق تخبط روايات الطبري عن عمر السيدة عائشة.. يذكر شانافاك المرجع وهو: تاريخ الملوك، مجلد 4، 50، دار الفكر ـ بيروت 1979م. وبالمقابل فإن بحيري ينقل نفس الموضوع دون ذكر المرجع.
3ـ أما عن مقارنته بعمر أسماء بنت إبي بكر،(وما ترتب عليه من خلاصة مفادها أن عمر عائشة كان 18 عاما يوم زواجها ) فيحددها شانافاك بإبن كثير، البداية والنهاية مجلد8، ص: 371 دار الفكر العربي 1933م، وكذلك تقريب التهذيب لإبن حجر العسقلاني ص:654.. أما الأستاذ بحيري فيلوح للقارئ بأنه أرخميدس زمانه الذي صرخ "وجدتها وجدتها"!
4ـ في سياق المقارنة بعمر فاطمة يخبرنا شانافاك عن مصدره وهو: الإصابة في تمييز الصحابة ، ابن حجر ، ص: 377 مكتبة الرياض الحديثة 1978م.. إلخ. أما السيد إسلام بحيري فكان منهمكا في إستنساخ معلومات شانافاك ونهب محتوياتها بدون رحمة (يمكن مقارنة النصين كما وردا في الرابطين أعلاه). وكي لا أطيل عليكم، أرجو من الباحث (الذي لم يبحث قط) أن يذيّل مقالته بجملة إضافية تقول: قمت بالترجمة والإقتباس عن ت.و. شانافاس. وبهذا يكون قد احترم نفسه واحترم من يكتب إليهم واحترم حقوق الآخرين.
ملاحظات: 1ـ إذا كان الإحتيال والنصب هو سمة لعصر الإنترنت، فما بالك بالأزمنة الضبابية للتاريخ.
2ـ أو لفت الإنتباه في سياق هذا الجدل إلى أن الإسم العربي للسيدة عائشة، هوإشتقاق دلالي من أصل كنعاني(ءيشه) ومعناه "إمرأة" وهو من أسماء الأم "حواء". لهذا تكنى السيدة عائشة "بأم المؤمنين" وهي أم منظومة الحديث الإسلامي. وبهذه اللفتة أرجو النظر إلى رمزية الحدث التاريخي، والخروج من حالة التجسيد المبتذل للتاريخ.
هوامش:

في هذا الرابط تجد كافة الردود على صاحب المقال ومنها رد محمد عمارة وغيره..