الاستشراق
الأستاذ أنور الجندي
لقد تبين من الدراسات الواعية المتعددة مدى خطر الاستشراق على الفكر الإسلامي، ولم تبق إلا دعوى "الدور الذي قاموا به في تحقيق التراث الإسلامي" ومنها تبويب بعض كتب السنة وغيرها. ولا ريب أن الاستشراق يعمل على إيجاد حصيلة واسعة من مفاهيم الإسلام بدأها بترجمة القرآن والحديث النبوي وبعض الكتب المعروفة، والهدف هو إحكام الرد على ما في هذه من قضايا معارضة للمسيحية من ناحية أو معارضة للنفوذ الأجنيب من ناحية أخرى والحقيقة أن هذه الأعمال لم تكن خاصة لوجه العلم وهل بالرغم من ضآلتها بالنسبة لعمل الاستشراق الواسع في ابتعاث كتب التراث المتصلة بالفلسفة والتصوف الفلسفي والفرق المتصارعة والباطنية وغيرها فإنها عمل مشكور لهم ولكنه لا يشكل ظاهرة يمكن أن تحول دون الغرض الحقيقي للاستشراق بما يخدع به دعاة التغريب ذوي النيات الجسنة منقومنا.
وهذه مجموعة من الحقائق:
أولاً: المستشرقون يدرسون قضايا الإسلام (لغته وتاريخه وشريعته وتراثه) بروح غير علمية، تقوم إما على سوء الفهم أو سوء النية، وهم لا يتصورون أي شيء إلا في حدود مفاهيمهم المسيحية اليونانية وعقليتهم الغربية التي تعودت على ربط الظواهر الإنسانية بالجنس واللغة القومية والبيئة في حدود المفهوم المادي القائم على المحسوس ومن هنا كان الإنسان عندهم ظاهرة قومية نشأت عن ظروف اقتاصدية ومن شأن هذا التصور أن يجعل كا أحكامهم على تاريخ الإسلام وشريعته وقيمه خائطة ومنحرفة لأن الإسلام يقوم على تصور جامع بين الروح والمادة والعقل والقلب.
ثانياً: قدم المستشرقون كتابات أعطوها صفة العلم في مختلف المسائل الإسلامية تدرس في بعض الجامعات على أنها صورة صحيحة لما جاء في الشريعة الإسلامية من أحكام وقواعد، جاء بعضها محرفاً وبعضها لا يقيد حكمة الشارع ثم بولغ في تحريف مدلولاتها ومعانيها على نحو يتعذر معه فهم أحكام الإسلام على وجهها الصحيح.
ثالثاً: أخضع المستشرقون تاريخ الإسلام لمفهوم المسيحية وتفسيراتها ثم أخضعوها لتفسيرات المادية الغربية ثم التفسيرات الماركسية.
رابعاً: دخل المستشرقون إلى مجامع اللغة وحولوا أهدافهم إلى مناهج براقة سواء في أحياء العامات أو الدعوة إلى تعديل النحو أو اللغة الوسطى أو الكتابة العربية المعاصرة وكلها محاولات ترمي إلى إيجاد فجوة بين لغة القرآن ولغة الكتابة.
ومن قبل ذلك تسللوا للبحث عن العاميات ولبسوا ملابس التجار والدبلوماسيين وصاروا يعملون بشتى الوسائل لجمع الأمثال العامية والمواويل بهدف مسموم هو القول بأن العامية لغة لها تراث.
وقد أولوا اهتماماً شديداً لدراسة اللهجات في البلاد العربية وعقدوا مؤتمراً خاصاً لذلك في مدينة ميونخ بألمانيا 1957 م وكتب المستشرقون في ذلك كتباً منها: كتاب في لغة الغجر في البلاد العربية ودراسات في اللهجات الأمهرية. السحرية والقطرية وغيرها من اللهجات المستعملة في جنوب الجزيرة العربية وعلى أطرافها.
والهدف في التركيز على اللهجات العامية واضح فهم الذين قدموا تلك الفلسفة الضالةة التي تقول إن العامية أقدر على تصوير المشاعر، مع أن هذه المشاعر التي تصورها العامية هي المشاعر الساذجة ومشاعر طفولة البشرية أين منها ذلك الشعر الرصين والبيان العربي الذي يحمل صور المجتمع الإسلامي والنفس الإسلامية في مراحل الرشد الفكري والهدف هو إضعاف لغة القرآن وتمييعها بالتحريض على استعمال اللهجات وتحطيم قواعد اللغة باسم التيسير.
خامساً: أثار الاستشراق دعوات مسمومة للتشكيك في الإسلام والطعن في مبادئه وتشويه الحضارة الإسلامية. ومن ذلك دعوتهم إلى رفع لواء الإنسلاخ من الماضي والتراث وإحياء النزعات القديمة كالفرعونية والفينيقية والآشورية وأمثالها والغض من شأن الشعوب الملونة في العالم الإسلامي ووصفهم بأنهم أقل قدرة من الجنس الأبيض (الأوربي) في مجال السياسة والمدنية والعلم والفن. والعمل على فصل الدين عن الدولة وإبطال فريضة الجهاد وإثارة الشبهات حول القرآن بطرح سموم على أيدي مسلمين وتوحي ببشرية القرآن للتشكيك في أنه من الله تبارك وتعالى والقول بتأثر الثقافة الإسلامية بالعقلية الإغريقية والفارسية، وهم في سبيل ذلك يعملون على انتزاع نصوص معينة من سياق المصادر لتأييد وجهة نظرهم ويعملون على إثارة التناقضات بين النصوص والمصادر.
سادساً: المبالغة في تمجيد الحضارات الشرقية القديمة السابقة للإسلام والإدعاء بأن الإسلام أخذ منها والبحث عن الأثر الغربي والأوربي في الفكر الإسلامي والمبالغة في تحديده وإكباره وجعله شيئاً أساسياً بالرغم من أنه أقل من ذلك ومحاولة إرجاع العلوم العربية إلى أصول يونانية.
سابعاً: دراسة الحركات المضادة للإسلام والتوسع فيها كالفتن الأهلية والخلافات المذهبية ومظاهر التفسخ والانقسام والإدعاء بأنها أبرز ظواهر تاريخ الإسلام مع أن تاريخ الإسلام حافل بالإيجابيات ومراحل القوة والتمكن وأن هذه الصور قليلة جداً وموجودة في تاريخ جميع الأمم والحضارات.
ثامناً: يدرس الاستشراق خصائص الفكر الإسلامي بروح خصومه وبفكرة مسبقة قائمة على أحكام قوامها سوء نية وعجز عن الإنصاف، ويعجز الاستشراق عن أن يتخلص من عواطفه الخاصة وهو يدرس مجتمعاً مختلفاً ومنهجاً متبايناً مع فكره ومنهجه.
تاسعاً: توسعة شقة الخلافات المذهبية بين المسلمين، بينما أن هذه الخلافات لم تصل إلى ما وصلت إليه بين فرق الأديان الأخرى وخاصة المسيحية لا في طبيعتها ولا في مداها فلا يوجد خلاف بين المسلمين على المبادئ الأساسية للإسلام مثل وحدانية الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم والاعتقاد في أن القرآن الكريم هو كلام الله والإيمان باليوم الآخر. وإنما وجد الخلاف في الأمور التفصيلية فيما يعد أمراً طبيعياً في مجتمع إنساني يضم أناساً من مختلف هذه الخلافات اختلافات مذهبية لأنها ليست إلا خلافات فقهية محصورة في إطار ديني وقانوني عريض.
عاشراً: حاول الاستشراق الغض من عظمة الدعوة الإسلامية بإثارة شبهات متعددة منها محاولة الإدعاء بوجود صلة بين الشريعة الإسلامية والقانون الروماني (وقد كشفت البحوث عكس دعوى الاستشراق فإن القانون الروماني الحديث مأخوذ من مذهب مالك نقله نابليون معه إلى أوربا) كذلك التشكيك في عالمية الرسالة الإسلامية بالقول بأن الآيات جاءت بعد استقرار الرسالة، والحقيقة أن آيات عالمية الرسالة كلها مكية، كذلك أثار الاستشراق الشكوك حول الكتب التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وزعموا أنها وضعت في صورتها الأولى بعد قرن من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد كذبتهم البحوث العلمية الحديثة التي أثبتت صحة هذه الرسائل.
حادي عشر: يذهب المستشرقون إلى أبعد حدود المغالطة حين يواجهون تاريخ الإسلام بأهوائهم فهم معجبون ببني أمية لأن أحدهم (أبا سفيان) كان عدو الرسول (ما كتبه هنري لامانس عن معاوية ويزيد).
أما عهد العباسيين فالدولة الإسلامية خرجت من يد العرب.
أما المغرب فيسمونها بلاد البربر وهذه التسمية دسيسة تافهة لأن أهل المغرب عرب وبربر ولكنهم مسلمون أولاً.
وهم لا يتحدثون عن الملوك الذين وطدوا الدولة بل عن الخارجين (بني رستم الخارجين أيام عبد الرحمن الداخل وبني مدرار أصحاب سلجمار) ويقولون عن المأمون أن دولته فارسية ونهضة العلوم في عصره نهضة غير عربية، ولا يتحدثون عن الرشيد إلا عن نكبة البرامكة وينقلون رسالة مذوبة عن أبي يوسف إلى ابن المقفع في معماملة أهل الذمة لكي يؤكدوا ما يدعيه المستشرقون من سوء حالتهم في ظل الإسلام ويهتمون بمدرسة حران الفلسفية ويقفون طويلاً عند المعتزلة وينقلون عنهم رأي المسعودي دون غيره ويتحدثون عن المعتصم والأتراك، ويتخيرون فقرأت من رسالة الجاحظ في فضلهم لا يوردون فقرة واحدة عن فضل العرب. أما القرامطة فهم عندهم طلاب عدل وإصلاح ويروون قصة مصرع الخليفة المتوكل برواية الطبري وتفاصيل فتنة الزنج في جنوب العراق بواية النويري وقصة القرامطة برواية الطبري ويأتي بخطاب أحمد القرمطي إلى الخليفة المقتدر وهو خطاب يصورهم في صورة طلاب عدالة وإصلاح وعندما يتحدثون عن الدول المنشقة التي انتهت بالقضاء على وحدة الدولة العباسية: الصفاريين والسلمانيين والطاهريين والبوهيين ويطلبون الوقوف عندهم لأنهم دول فارسية، في كتابة تاريخ المغرب حاولوا الوقيعة بين البربر والعرب وفي المشرق حاولوا الإيقاع بين العرب والفرس. ويعجبون بالفاطميين لأن مذهبهم لم يلق قبولاً من جماعة المسلمين وعندما يتحدثون عن الصليبيين يفخرون بأنهم قتلوا عندما دخلوا القدس 65 (ألفاً) من المسلمين.
ثاني عشر: وضعوا أساس الشبهات ثم نسبوها إلى كتاب عرب ومسلمين فالشعر الجاهلي والأدب الجاهلي أساسهما بحث عن انتحال الشعر لمرجليوث، وكتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق أساسه كتاب عن الخلافة الإسلامية لمرجليوث. ومع المتنبي لطه حسين أساسه بحث لبلاشير، و...
ثالث عشر: غلبة التفسير المسيحي على التحليل والعرض، فدرمنجم يقول أن تعاليم أهل الكتاب هي التي لفتت نظر سيدنا محمد إلى الكمال الروحي والمثل الأعلى وجعلته يتحنث في الغار وهذا كذب صراح، كما يحاولون تصور أن القرآن جاء من الكتب السابقة وأن الهجرة كانت إلى الحبشة لأنها مسيحية، والحقيقة أن الدافع الحقيقي ليس لأن النجاشي مسيحي بل لأنه كان عادلاً قال النبي: لأن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق) ولذلك فليس للعاطفة الدينية أثر في تصرفاته وحاول درمنجم أن يستدل بأن الله رضي للناس الإسلام ديناً مع بقاء سائر الأديان التي سبقت وحدة مندمجة.
وهذا غير صحيح، لأن الإسلام جاء خاتماً للرسالات وداعياً أهل الكتاب للدخول فيه لأن دين الله الحق وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن متصلاً بأهل الكتاب.
ويدعي مرجليوث أن النبي محمداً كان يعرف القراءة والكتابة ويتخذ من آية (اقرأ) مع أن اقرأ لا تعني قراءة المكتوب وإنما تعني قراءة ما يوحي إليه.
ومن أخطائهم إدعاؤهم بأن العرب كانوا قبل الإسلام على استعداد للملك والنهضة وأن دور النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أكثر من قيادة جماعة مهيأة، وذلك باطل صراح فإن العرب في مكة أمضوا ثلاثة عشر عاماً في محاربة الدعوة الإسلامية والإصرار على عبادة الأصنام حتى هاجر النبي إلى مجتمع آخر هو الذي تقبل دعوته. ولقد كانت دراستهم لأحوال العرب قبل الإسلام هو الذي شكل للعرب وجودهم الحقيقي، وأن دعوة الإسلام غلى التوحيد كانت شيئاً جديداً بالنسبة للوثنية العربية.
وهذه محاولة مضللة في الاهتمام بالغساسنة والمناذرة وإعلاء الجاهلية واعتبار الإسلام اقتباساً منها.
ومن ذلك إنكار الوحي للوصول إلى القول بأن القرآن من عمل محمد صلى الله عليه وسلم.
وكل محاولات الاستشراق في القول بأن الأفكار الأساسية للإسلام مستقاة من الكتاب المقدس، أو أن طابع الإنجيل موجود في القرآن أو ان هناك أصلاً يهودياً للإسلام (بروكلمان – فون كريمر – مونتجمري وات) أو بروكلمان فكل هذا باطل.
ذلك لأن مصدر الأديان السماوية واحد ولذلك فلابد أن تكون هناك علاقة مشتركة لأن الدين كله من عند الله وهو التوحيد ولكن رؤساء الأديان حرفوه، أما الإسلام فقد حفظه الله تبارك وتعالى.
وقد عجز المستشرقون مع الأسف – كما يقول محمد أسد (ليوبولد فابس) عن استيعاب خصائص التصور الإسلامي ومقوماته الأساسية ومن ثم فإنهم لا يستطيعون أن ينفذوا إلى أعماق الحياة الإسلامية ويستحيل على المستشرق أن يفهم الوحي، أو الهجرة، أو ينفذ إلى أعماقها لأنه بعيد بحكم تكوينه النفسي وتفكيره عن هذا النظام.
ولهذا اعتبر (توينبي) الهجرة مبدأ التدهور في تاريخ الرسالة المحمدية ويزعم مونتجمري وات حين يتحدث عن المعاهدة التي عقدها بين المسلمين واليهود بعد الهجرة أن كلمتي إسلام ومسلم لم تكن مستعملة في الفترة المبكرة من العهد المدني ويرجع هذا إلى أنه تجاوز في الترجمة وحرف.
ومن الشبهات التي يثيرها المستشرق فون كريم الإدعاء بأن الإمامين الأوزاعي والشافعي وقد ولدا في سوريا كانا على علم بكثير من قواعد القانون الروماني البيزنطي وقد ثبت أن هذا القول مجرد أسطورة فمن الثابت أن مدرسة بيروت لم تكت موجودة عند الفتح الإسلامي للشام وأن الشافعي والأوزاعي لم يعرفا القانون البيزنطي.
رابع عشر: أن القول بأن مصادر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن هي التوراة والإنجيل من المسائل التي يكاد الاستشراق يجمع عليها ويرددها من كانوا من مستشرقي اليهود أو النصارى والواقع أن هذا الاتهام باطل بدليل واحد أن مفهوم القرآن للتوحيد يختلف عن مفهوم التوراة المكتوبة بأيدي الأحبار أو الأناجيل الموجودة في أيدي الناس الآن فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم وحمل القرآن لواء الدعوة إلى التوحيد المطلق، كما يقول الدكتور عبد الجليل شلبي: إله العالم كله واحد. إله مجرد من المادة وعن التركيب. كان الإله عند اليهود (يهوه) وهو الههم وحدهم وقد ظلوا على ذلك ردحاً من الزمن حتى جاء النبي (إليجا) أول من جهر بأنه إله العالم كله وظهر بشيء غريب أيضاً على اليهود هو أن حكم الله يجري على الملوك كما يجري على أبناء الشعب ولهذا لم تكن الديانة اليهودية موحدة بالمعنى الحقيقي وإنما كانت ديانة توحيد بالنسبة لجيرانها فقد كان لدى الآخرين آلهة متعددة للزرع والمطر والخصوبة والنجوم كل له إله خاص، وإذن فالتوحيد الإسلامي نوع فريد في كل ما أعلن من صفات الله خالق الكون سبحانه.
المسألة الثانية: أن القرآن لم يذكر قط قصص الإسرائيليين بل ذكر قصص داود وصالح والخضر وشعيب وسبأ، أما الكتاب المقدس فقد اقتصر على ذكر شعيب المختار وتاريخه وهو لم يتم بوضعه الحالي إلا بعد القرن الثاني الميلادي.
ولأنهم ينكرون الوحي السماوي فإنهم يبحثون عن مصدر معلومات الثرآن ولا يزالون مختلفين. قال مونتجمري وآت: أن محمداً نال معلومات ممتزجة من اليهودية والمسيحية معاً، وبذل جهداً واسعاً في سبيل الاستدلال على ذلك، كذلك فعل (درمنجم) ولكن الوقائع في المقارنة بين القرآن من ناحية وبين التوراة والإنجيل تكذبهم في هذا الإدعاء العريض.
خامس عشر: في محاولة لتأييد النفوذ الأجنبي الذي فرض القانون الوضعي كانت حملة الاستشراق على الشريعة الإسلامية، جولدزيهر وشاحت وغيرهم الذين كانوا ينشرون دعياتهم الرامية إلى القول بأن الفقه الإسلامي جامد ولم يتطور وسيبقى جامداً إلى الأبد وأنه لا يحتوي على قواعد عامة وإنما يتناول النوازل الخاصة.
وذهب بعضهم إلى القول بأنه لا يوجد فكر سياسي إسلامي، وإنما الذي عرفه المسلمون هو الفكر الفارسي واليوناني وقد كذبت الحقائق الناصعة دعاوي الاستشراق وكتب كثيرين كاشفين عن عظمة الشريعة الإسلامية وقدرتها على الاستجابة للعصور والبيئات وكيف أن للمسلمين فكرهم السياسي الخاص ومن أبرز هذه الدراسات كتابات الدكتور ضياء الدين الريس.
كذلك فإن مؤتمرات دولية من رجال القانون عقدت خلال القرن الرابع عشر الهجري شهدت بأصالة واستقلال وعظمة الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، وأكدت أنها شريعة قائمة بنفسها ليست مأخوذة من غيرها وأنها خلافاً لما قال خصومها حية وقابلة لمسايرة الحياة الاجتماعية في إطار القواعد الثابتة وأن مبادئها لها قيمة حقوقية تشريعية لا مراء فيها.
سادس عشر: كذبت الحقائق دعاوي الاستشراق في أن التصوف الإسلامي أخذ من الافلاطونية الحديثة أو مذاهب المسيحية أو أن البلاغة العربية أخذت من كتاب الخطابة لأرسطو أو أن الفقه الإسلامي أخذ من مدونة جوستنيات.
كذلك كذبت الوقائع دعاوي الاستشراق وأتباعهم عن إسقاط الرواية الإسلامية لشعر عصر البعثة النبوية وما كان منه طعناً على الإسلام وهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن الإسلام لم يصادر هذا الأدب والدليل ما رواه ابن إسحاق في السيرة النبوية من قصائد المشركين واليهود وهي لا تقل في الإحصاء عن قصائد الشعراء مع النبي وخاصة في موقعتي بدر وأحد.
سابع عشر: ليس أدل على سوء نية الاستشراق في البحث من إصرار لويس ماسنيون على متباعة آثار الحلاج خلال أربعين سنة حتى نشر ذلك المجلد الضخم في 1400 صفحة ثم أخذ يتتبع متروكاته فطبع ما ورد عنه في الفقرات النثرية ثم نشر ديوانه الشعري وقد جمعها قطعاً من نحو مائة مؤلف بين مخطوط ومطبوع.
وقد ركز اهتمامه على المقاطع التي يوضح بها الحلاج اتحاده بالله بل معادلته له به (جل شأن الله عن ذلك وعلاً) كذلك ما حرص الاستشراق وأتباعه من إبراز الشخصيات المعادية للسنة وللإسلام مثل أبحاثهم عن مسيلمة الكذاب، وعن عيلان الدمشقي والإشادة بهما أو كذاب اليمن الأسود العنسي ووصف كل منهم بالبطولة مع أنهم جميعاً خارجون عن مفهوم الإسلام الصادق.
ثامن عشر: لقد تجمع في تحرير دائرة المعارف الإسلامية أخبث وأخطر رجال الاستشراق من يهود وغيرهم ممن يكنون الكراهية للإسلام ولذلك فقد حرصوا على صنع مواد الدائرة بمفاهيم كنسية ويهودية وتأخذ دائرة المعارف الإسلامية القصة اليهودية للعهد القديم في خلق آدم عليه السلام فيحيلها مصدراً لقصة آدم في دائرة معارف إسلامية.
كذلك فهم يأخذون وجهة نظر اليهود في إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويزيفون مفهوم فلسطين وعروبتها ويحاول الاستشراق اليهودي إعطاء فكرة للعالم أن فلسطين كانت يهودية قبل الإسلام.
ويعمل رونسون في ركتابه عن الرأسمالية والإسلام تشويه التاريخ الإسلامي ورفع العنصر اليهودي على حساب العرب.
تاسع عشر: حرص الاستشراق على تصوير المجتمع الإسلامي في مختلف العصور وخاصة في العصر الأول على أنه مجتمع متفكك تقتل الأنانية رجاله، وهم في كل محاولاتهم المسمومة للانتقاص من الإسلام ولغته وتاريخه وتراثه يخضعون النصوص للفكرة التي يفرضونها مع تحريف حين لا يجدون مجالاً للتحريف وتجمهم في المصادر التي ينقلون منها فهم ينقلون من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخه الفقه ويصححون ما نقله الدميري في كتاب الحيوان (وهو ليس ذا قيمة علمية صحيحة) ويكذبون ما يرويه مالك في الموطأ كل ذلك انسياقاً مع الهوى وانحرافاً عن الحق.
وهم يستخدمون كتب التراث استخداماً خبيثاً فيبرزون كل ما يفرق ويخفون كل ما يجمع ويغلب عليهم سوء الظن وسوء الفهم والهوى.
العشرون: يحاول كل من الاستشراق المسيحي خطة والاستشراق الشيوعي خطة مختلفة والاستشراق الصهيوني خطة ثالثة، كل منها يهدف إلى تحقيق غرض خاص ولكنها جميعاً تطبق على الإسلام بالعداوة والخصومة والحقد الدفين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق