الأربعاء، 15 سبتمبر 2010

حول المشكلات التأويلية للنصّ الأدبي الوافد


مجلة الموقف الأدبي - مجلة أدبية شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق - العدد 398 حزيران 2004
حول المشكلات التأويلية للنصّ الأدبي الوافد
 أ.د.عبده عبّود- سورية
لماذا يحتاج العمل الأدبي إلى من يدخل بينه وبين متلقّيه مفسراً ومؤولاً؟ ألا يستطيع المتلقي أن يستغني عن ذلك الوسيط بأن يقرأ النص الأدبي، ويفهمه، ويفسره ويؤّله بنفسه؟ لماذا يحتاج القارئ إلى من يفسّر ويؤوّل له قصيدة للمتنبي أو أبي العلاء أو السيّاب، ورواية لنجيب محفوظ أو حنّا مينة أو الطيّب صالح؟ وقصة قصيرة ليوسف إدريس أو زكريا تامر؟‏
يرى الفيلسوف الألماني هانس ـ جيورج غادامر (H. G. Ganalamer) الذي يُعد أحد أباء علم التأويل الفلسفي المعاصر أنَّ الحاجة إلى هذا العلم تنبع من حال الغربة التي تنشأ بين العمل الأدبيّ وبين متلقيه.‏
فهذه الغربة تجعل فهم النص الأدبي عسيراً على المتلقي، مما يولد في نفسه امتعاضاً وعدم ارتياح، ويأتي الجهد التفسيري ليعيد الألفة إلى علاقة النص بالمتلقي، وذلك بأن يساعد الأخير في فهم النص، فتزول حال الغربة التي نشأت يبن الطرفين، ويزول مصدر عدم الارتياح الذي توّلد في نفس المتلقي نتيجة عدم تمكنه من فهم النص الأدبي. هذا هو أصل المسألة الهرمنوطيقية، ومنه يستمد علم التأويل مسوغاته ومشروعيته(1).‏
ولتلك الغربة في حالة النصوص الأدبية الوطنية مصدران رئيسيان: أوّلهما الفجوة التاريخية بين العمل الأدبي ومتلقيه. فللعمل الأدبي أفق تاريخي، وهو أفق العصر الذي أُنتج فيه. إن شعر المتنبي، على سبيل المثال، يعبّر عن زمن المتنبي وما ساده من ظروف سياسية واجتماعية وأدبية وثقافية.‏
ولكي نفهم شعر المتنبي لابدّ لنا من أن نسترجح ذلك الأفق التاريخي وأن نعيد بناءه، وهذا هو الشقّ الأول للجهد التفسيري. وعندما يقوم علم التأويل بذلك، فإنه يزيل قسماً من عدم الفهم والغربة اللذين يحسّ بهما المتلقي المعاصر حين يقرأ نصاً أدبياً قديماً كشعر المتنبي.‏
ولكنَّ الجهد التأويلي لا يقتصر على استرجاع الأفق التاريخي للنص الأدبي وإعادة بنائه. فالمتلقي شخص معاصر ذو أفق معاصر، لا يستطيع أن يتجرد منه، وأن يتلقى النصّ الأدبي ويفهمه انطلاقاً من أفقه التاريخي فحسب بل من المحتّم أن يدخل الأفق المعاصر في عملية التلقي وأن يؤثر فيها. إنّ النصّ الأدبي القديم يخاطبنا ويثير استجاباتنا لأنه يخاطب أفقنا المعاصر، فإن لم يكن قادراً على ذلك فإننا لا نتفاعل معه ولا نستمتع به ولا نستجيب له جمالياً وفكرياً. فعلمية التلقي تنطوي على تلاحم يتم بين أفقين: الأفق التاريخي للنص، والأفق المعاصر للمتلقي. لذا يكمن الشق الثاني من الجهد التفسيري في توضيح ذلك الأفق وتحليله. فلكي أعرف الآخر، أي النصّ الأدبي، لابدّ لي من أن أعرف نفسي باعتباري متلقياً لا ينطلق عند قيامه باستقبال ذلك النص من نقطة الصفر أو من بقعة بيضاء، بل من أفق معاصر.‏

المشهد الجنسي في الرواية العربية

المشهد الجنسي في الرواية العربية
الجزائر نيوز يوم:الجمعة.22.جانفي.2010

 ما يحدث في كثير من الكتابات الروائية العربية المعاصرة شبيه تماما بأغاني الفيديو كليب حيث لا يملك المغني فيها لا الصوت ولا الموهبة ولكنه يختفي  وراء الصورالجميلة للفتيات نصف العاريات والراقصات بأشكال وصور تجعل انتباه المشاهد للأغنية يلتصق بالصور المثيرة أكثر من اهتمامه بكلمات الأغنية ومعانيها أو صوت المغني الذي يستنجد ـ لأنه لا يمتلك صوتا جميلا ـ بتقنية تصفية الأصوات وقوة التوصيل الصوتي للمكروفونات الحديثة·

فهناك الكثير من الأعمال الروائية الحالية لا تعتمد في وصولها إلى القارئ إلّا على الإثارة والتهييج غير المرتبط بوظيفة الجنس داخل النص بحيث يعتمد على الجنس كوسيلة للوصول الى القارئ عبر مخاطبة غرائزه واللعب على أوتار كبته الجنسي في مجتمع لا يزال هذا الطابو يحكم وعيه ويقمع انسانيته، ويؤدي الكم الهائل للمشاهد الجنسية في بعض الروايات في الكثير من الأحيان إلى ابعاد القارئ على الموضوع الأساسي لهذه الأعمال، إن كان لها موضوع بالطبع·

ليس صحيحا بالتأكيد ان /النص الجنسي/ العربي المعاصر مستمد بالكامل من الثقافة الغربية ولعلّ موقفا كهذا سببه الجهل بالتراث وما امتلأ به من نصوص جنسية· فالتراث العربي يزخر بالكثير من الكتابات في هذا الميدان فمن أشعار امرئ القيس إلى أبي نواس وحكايات ألف ليلة وليلة والقصص الجنسية في كتاب الأغاني والروض العاطر··، وما كتبه الإمام السيوطي، وتحدثنا بعض الروايات عن بعض غلاة الخوارج أنهم كانوا ينظرون بريبة وتوجس إلى /سورة يوسف/ في القرآن الكريم لما فيها من إشارات جنسية···باختصار لم يكن العرب إبان قوتهم الثقافية والحضارية يتهيبون من الخوض في مثل هذه الموضوعات· وقد استخدم كبار الروائيين العرب كذلك المشاهد الجنسية في أعمالهم كنجيب محفوط  وحنا مينة وحيدر حيدر ورشيد بوجدرة وأمين الزاوي··ذلك أنه لا يعقل في تقديرنا أن يُكتب عمل فني يتناول حياة انسانية برمتها ويغضُّ الطرف عن الجزء الخاص بالرغبة وكأنها ليست من متطلبات النفس و الجسد والحياة· فالجنس جزء في السياق الطبيعي للحياة، ونحن حينما نكتب عن الحياة سنكتب عن الجنس لا محالة، فالأديب حينما يكتب يتناول العلاقة بين الرجل و المرأة كونها تأتي في سياق الحديث عن الإنسان نفسه· لذلك فإن النص الجيد سيثبت نفسه بغض النظر عن موضوعه وثيماته ، وعليه فقد لا يكون النص المتعفف الذي يتجنب المشاهد الجنسية نصا عظيما وأن يكون صاحبه كاتبا جيدا، وبالمقابل يسقط بالتأكيد النص الذي  يفضح تفاصيل جنسية كثيرة وهو لا يملك مقومات العمل الحقيقي ·فالملاحظ في الكثير من الأعمال الروائية الجديدة أن المشهد الجنسي فيها كثيرا ما يكون مقحما اقحاما من دون ان تكون هناك مبررات لهذا الاستخدام و قد تدلّ كثير من الكتابات على مراهقة  فكرية وفنية، فالجنس في الروايات العظيمة يخدم أهدافا انسانية ويعري زيف المجتمع ولا يكون من أغراضه المباشرة استثارة الغرائز، فليس هناك ما يمنع اطلاقا التطرق للجنس في الرواية على أن يكون توظيف المشهد في صالح العمل الأدبي بحيث يأتي انسيابيا ضمن أحداثه ووفق ما تقتضيه بنية النص·

الاستشراق إطلالة نقدية

الاستشراق
الأستاذ أنور الجندي
لقد تبين من الدراسات الواعية المتعددة مدى خطر الاستشراق على الفكر الإسلامي، ولم تبق إلا دعوى "الدور الذي قاموا به في تحقيق التراث الإسلامي" ومنها تبويب بعض كتب السنة وغيرها. ولا ريب أن الاستشراق يعمل على إيجاد حصيلة واسعة من مفاهيم الإسلام بدأها بترجمة القرآن والحديث النبوي وبعض الكتب المعروفة، والهدف هو إحكام الرد على ما في هذه من قضايا معارضة للمسيحية من ناحية أو معارضة للنفوذ الأجنيب من ناحية أخرى والحقيقة أن هذه الأعمال لم تكن خاصة لوجه العلم وهل بالرغم من ضآلتها بالنسبة لعمل الاستشراق الواسع في ابتعاث كتب التراث المتصلة بالفلسفة والتصوف الفلسفي والفرق المتصارعة والباطنية وغيرها فإنها عمل مشكور لهم ولكنه لا يشكل ظاهرة يمكن أن تحول دون الغرض الحقيقي للاستشراق بما يخدع به دعاة التغريب ذوي النيات الجسنة منقومنا.
وهذه مجموعة من الحقائق:
أولاً: المستشرقون يدرسون قضايا الإسلام (لغته وتاريخه وشريعته وتراثه) بروح غير علمية، تقوم إما على سوء الفهم أو سوء النية، وهم لا يتصورون أي شيء إلا في حدود مفاهيمهم المسيحية اليونانية وعقليتهم الغربية التي تعودت على ربط الظواهر الإنسانية بالجنس واللغة القومية والبيئة في حدود المفهوم المادي القائم على المحسوس ومن هنا كان الإنسان عندهم ظاهرة قومية نشأت عن ظروف اقتاصدية ومن شأن هذا التصور أن يجعل كا أحكامهم على تاريخ الإسلام وشريعته وقيمه خائطة ومنحرفة لأن الإسلام يقوم على تصور جامع بين الروح والمادة والعقل والقلب.
ثانياً: قدم المستشرقون كتابات أعطوها صفة العلم في مختلف المسائل الإسلامية تدرس في بعض الجامعات على أنها صورة صحيحة لما جاء في الشريعة الإسلامية من أحكام وقواعد، جاء بعضها محرفاً وبعضها لا يقيد حكمة الشارع ثم بولغ في تحريف مدلولاتها ومعانيها على نحو يتعذر معه فهم أحكام الإسلام على وجهها الصحيح.
ثالثاً: أخضع المستشرقون تاريخ الإسلام لمفهوم المسيحية وتفسيراتها ثم أخضعوها لتفسيرات المادية الغربية ثم التفسيرات الماركسية.
رابعاً: دخل المستشرقون إلى مجامع اللغة وحولوا أهدافهم إلى مناهج براقة سواء في أحياء العامات أو الدعوة إلى تعديل النحو أو اللغة الوسطى أو الكتابة العربية المعاصرة وكلها محاولات ترمي إلى إيجاد فجوة بين لغة القرآن ولغة الكتابة.
ومن قبل ذلك تسللوا للبحث عن العاميات ولبسوا ملابس التجار والدبلوماسيين وصاروا يعملون بشتى الوسائل لجمع الأمثال العامية والمواويل بهدف مسموم هو القول بأن العامية لغة لها تراث.
وقد أولوا اهتماماً شديداً لدراسة اللهجات في البلاد العربية وعقدوا مؤتمراً خاصاً لذلك في مدينة ميونخ بألمانيا 1957 م وكتب المستشرقون في ذلك كتباً منها: كتاب في لغة الغجر في البلاد العربية ودراسات في اللهجات الأمهرية. السحرية والقطرية وغيرها من اللهجات المستعملة في جنوب الجزيرة العربية وعلى أطرافها.
والهدف في التركيز على اللهجات العامية واضح فهم الذين قدموا تلك الفلسفة الضالةة التي تقول إن العامية أقدر على تصوير المشاعر، مع أن هذه المشاعر التي تصورها العامية هي المشاعر الساذجة ومشاعر طفولة البشرية أين منها ذلك الشعر الرصين والبيان العربي الذي يحمل صور المجتمع الإسلامي والنفس الإسلامية في مراحل الرشد الفكري والهدف هو إضعاف لغة القرآن وتمييعها بالتحريض على استعمال اللهجات وتحطيم قواعد اللغة باسم التيسير.
خامساً: أثار الاستشراق دعوات مسمومة للتشكيك في الإسلام والطعن في مبادئه وتشويه الحضارة الإسلامية. ومن ذلك دعوتهم إلى رفع لواء الإنسلاخ من الماضي والتراث وإحياء النزعات القديمة كالفرعونية والفينيقية والآشورية وأمثالها والغض من شأن الشعوب الملونة في العالم الإسلامي ووصفهم بأنهم أقل قدرة من الجنس الأبيض (الأوربي) في مجال السياسة والمدنية والعلم والفن. والعمل على فصل الدين عن الدولة وإبطال فريضة الجهاد وإثارة الشبهات حول القرآن بطرح سموم على أيدي مسلمين وتوحي ببشرية القرآن للتشكيك في أنه من الله تبارك وتعالى والقول بتأثر الثقافة الإسلامية بالعقلية الإغريقية والفارسية، وهم في سبيل ذلك يعملون على انتزاع نصوص معينة من سياق المصادر لتأييد وجهة نظرهم ويعملون على إثارة التناقضات بين النصوص والمصادر.
سادساً: المبالغة في تمجيد الحضارات الشرقية القديمة السابقة للإسلام والإدعاء بأن الإسلام أخذ منها والبحث عن الأثر الغربي والأوربي في الفكر الإسلامي والمبالغة في تحديده وإكباره وجعله شيئاً أساسياً بالرغم من أنه أقل من ذلك ومحاولة إرجاع العلوم العربية إلى أصول يونانية.